أبو لهب

سورة المسد من السور التي يتشدق بها أهل الجبر للدلالة على ما أسموه بالتقدير الأزلي لأفعال العباد فيزعمون أن الله ـ تعالى عن افترائهم ـ قدر الكفر منذ الأزل على أبي لهب، وأن أبا لهب لم يكن يقدر على الإيمان، وأن الله أعلمه بكفره قبل موته وكأنه يصرفه عن الإيمان. ويهرب الجبريون من التساؤل المشروع: إذا كان الله قد قدر أزلا كفر أبي لهب فلماذا طالبه بالإيمان؟ وكيف يأتي أبو لهب بفعل الله ـ في زعمهم ـ صرفه عنه، وهذا يذكرنا بقول القائل:

ألقاه في اليم مكتوف اليدين وقـ *** ـال إياك إياك أن تبتل بالماء

فهل ما زعمته الجبرية حقا؟ إن تخرصاتهم تلك يأباها العقل السليم وينقضها القرآن الحكيم، وهذا ما سنرى بيانه فيما يلي بإختصار شديد.

من هو أبو لهب؟

يروي أهل الأخبار أن أبا لهب كان من أبناء عبد المطلب ويدعون أن إسمه هو عبد العزى بن عبد المطلب بن عبد مناف وكنيته هي أبو عتبة وسمي أبا لهب لإشراق وجهه.

أما امرأته فهي أم جميل أروى بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان بن حرب، عمة معاوية بن أبي سفيان.

أما ولداه فهم عتبة ومعتب.

اشتهر أبو لهب بإيذاء النبي صلى الله عليه وسلم وتكذيب دعوته بين قومه وصد الناس عنه، من ذلك ما رواه أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتبع القبائل ووراءه رجل، يقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على القبيلة فيقول: (يابني فلان إني رسول الله إليكم ءامركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا)، وإذا فرغ من مقالته قال الآخر من خلفه وهو أبو لهب: (يابني فلان هذا يريد منكم أن تسلخوا اللات والعزى وخلفاءكم من الجن إلى ما جاء به من البدعة والضلالة، فلا تسمعوا له ولا تتبعوه).

ملاحظات:

(1) عداء أبي لهب وكيده للإسلام ورسوله والمؤمنين به حقيقة سجلها القرآن الكريم من خلال سورة المسد وما اشتملت عليه من وعيده وذويه بالعذاب. ثم جاءت السيرة بتفاصيل ذلك العداء ومن ذلك رواية أحمد التي سبقت وغيرها من الروايات.

(2) هناك شك لدى بعض المحققين في صحة نسب أبي لهب حيث أن جد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من الحنيفيين وهذا يتضح بجلاء من خلال أشعاره التي يناجي فيها الله تعالى مثل:

لاهم إن العبد يمنع رحله فإمنع رحالك

لا يغلبن صليبهم ومحالهم قدواً محالك

وانصر على آل الصليب وعابديه اليوم آلك

وكان أعمام النبي من أوائل من نصروا الإسلام مثل الحمزة والعباس وأبي طالب، وهذا يدل على تغلغل المعتقد الديني في نفوسهم وهو مما تعلموه من أبيهم عبد المطلب. ومن ثم فإن إحتمال كون أبي لهب من تلك السلالة لهو إحتمال ضعيف، وسيثبت البحث التاريخي الجاد فساد تلك النسبة يوما ما.

(3) زوجة أبي لهب من بني أميه وهذه النسبة لها دلالة كبرى:

– عداء بني أمية التاريخي لبني هاشم قبل وبعد الإسلام:

عبد شمس قد أضرمت لبني هاشم حرباً يشيب فيها الوليد

فابن حرب للمصطفى، وابن هند لعليّ وللحسين يزيد

– يصعب على المرء التصديق بأن يتزوج هاشمي بامرأة من بني أمية في تلك الأجواء الملتهبة ولم يكن سهلا الخروج على تقاليد القبيلة في ذلك العصر القبلي.

– إنتماء أم جميل لبني أمية يحمل دلالة على أن أبا لهب لم يكن هاشميا وإنما كان أمويا وأن الذي ألحقه ـ زورا ـ ببني هاشم هم ساسة بني أميه كنوع من تبرئة ساحتهم من إيواء ذلك العضو بينهم وإلقاء مغبته وصنيعته على بني هاشم تشويها لصورتهم.

الخلاصة:
تدل القراءة التاريخية الأولية على أن أبا لهب وامرأته أم جميل وولداه عتبة ومعتب كانوا من بني أمية ولم يكونوا من بني هاشم ومن ثم لم يكن أبو لهب عما لرسول الله أبدا، وإنما نسبته سياسة بني أمية زورا وبهتانا لبني هاشم لتشويه صورتهم وتلطيخ سمعتهم.

قراءة في سورة المسد

أولا: ما يرويه الأخباريون بشأن سبب النزول

لما نزلت { وأنذر عشيرتك الأقربين } صعد النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا، فجعل ينادي: يا بني فهر، يا بني عدي، لبطون قريش، حتى اجتمعوا، فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا لينظر ما هو، فجاء أبو لهب وقريش، فقال: (أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي) قالوا: نعم، ما جربنا عليك إلا صدقا، قال: ( فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد ) . فقال أبو لهب : تبا لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا، فنزلت { تبت يدا أبي لهب وتب . ما أغنى عنه ماله وما كسب } (البخاري)

ثانيا: ما يرويه القرآن

(تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ. مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ. سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ. وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ. فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ) (المسد : 1 – 5)

[1] (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ)

مادة (تبب) وردت في القرآن في أربعة مواضع: موضعان في سورة المسد وموضع في سورة غافر هو قوله تعالى:

(وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ. أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبَابٍ) (غافر : 36 – 37)

وموضع في سورة هود هو قوله تعالى:

(وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مِن شَيْءٍ لَّمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ) (هود : 101)

أصل هذه الكلمة هو الإنقطاع أي الهلاك والتدمير وأن يصبح الشيئ أثرا بعد عين، ودلالة هذه الكلمة إذا هي موت وهلاك الأشخاص المعنيين بها.

من هما يدا أبي لهب؟

اليد في لسان القرآن تعني القدرة أو وسيلة القدرة ولذلك قال الله تعالى:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ) (الصف : 14)

أي أعناهم وأقدرناهم على عدوهم.

فيدا أبي لهب ليس المقصود بهما إذا ذراعيه وإنما شيئ آخر، والدليل على ذلك هو قوله تعالى (وَتَبَّ) أي وهلك هو، وإلا لكان هناك تكرار بين (يداه) و (هو) والتكرار هنا ليس بليغا، فلزم أن يكون المقصود بـ (يداه) شيئ آخر غيره.

إن عدو الله أبا لهب كان يتستعين بولديه عتبه ومعتب في حربه على الإسلام، فولداه إذا هما يدا أبي لهب، ومن ثم يكون معنى الآية هو:

هلك ولدا أبي لهب وهلك أبو لهب أي ماتوا.

يفهم من هذا أنه في اللحظة التي نزلت فيها السورة الكريمة لم يكن أحد من أسرة أبي لهب أحياء.

[2] (مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ)

لنلاحظ زمن الأفعال الموجودة بالسورة حتى الآن:

تبت يدا أبي لهب

– وتب

– ما أغنى عنه ماله

– وما كسب

جميعها أفعال ماضية للدلالة على وقوع الحدث وإنقضاؤه فعلا. إن هذه السورة لم تكن ترسم طريقا للفكر الجبري الذي يزعم بأن الله قدر الكفر على آل أبي لهب منذ الأزل وإنما تخبر السورة عن حال بعض الهلكى الذين قدروا على الإيمان مثلما قدروا على الكفر إلا أنهم إختاروا الكفر بإرادتهم الحرة وماتوا على الكفر فحق عليهم الوعيد بالعذاب الأبدي في الآخرة.

[3] (سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ)

الجزاء من جنس العمل، إختار أبو لهب الكفر وهو يعلم عاقبة الكافرين، فحق عليه الوعيد السابق.

[4] (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ)

إن امرأته أروى بنت حرب الأموية كانت من نساء قريش الغير معوزات، فلم تحمل إذا أعواد الخشب على ظهرها، ولكنها كانت كنافخ الكير تشعل نار الحرب والإنتقام، نار الغرور والغطرسة، نار الحقد الأسود والغل الأعمى لتوجه كل ذلك ضد الإسلام ونبيه والمسلمين فحق عليها الوعيد التالي:

[5] (فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ)

لأن الجزاء من جنس العمل كما ذكرت.

ثالثا: ملاحظات مقارنة بين روايتي الأثر والقرآن

من الواضح أن تلك الرواية الأثرية إمتداد لمسلسل التدليس والبهتان الأموي وذلك لعدة أسباب:

(1) يقول الأثر (صعد النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا، فجعل ينادي: يا بني فهر، يا بني عدي، لبطون قريش، حتى اجتمعوا، فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا لينظر ما هو …) والسؤال الآن هو: لماذا لم يروي تلك الواقعة التي شهدها الجمع الغفير سوى راوي واحد فقط هو ابن عباس؟

(2) بدأت الدعوة العلنية قبل الهجرة بـ 10 سنوات، وولد ابن عباس قبل الهجرة بـ 3 سنوات أي كان عمره إبان تلك الواقعة هو 7 سنوات وهذا يورث الشك في صحة الرواية.

(3) الرواية الأثرية تخالف ظاهر ألفاظ القرآن، فالقرآن يتحدث عن تباب آل أبي لهب أي موتهم بينما تزعم الرواية حياتهم عند نزول السورة.

(4) حينما جمع رسول الله الناس هل رفض أبو لهب وحده الرسالة أم رفضها معه آخرون؟ إن رفضها معه آخرون فلماذا اختص القرآن أبا لهب وحده بالذكر؟

تفاعلات فكرية ونقاشات

تعليقا على فقرة بسيطة تكلمت عن الجبرية فيها واعتقادهم بأن الله يمكن أن يجبر الناس على الكفر…

كيف يجبرهم على الكفر ثم يحاسبهم ويعذبهم عليه؟ وإذا كان الأمر كذلك فلم لا يحاسب الله الإنسان الأسود على سواده أو القصير على قصره أو الأعرج على عرجه؟

وإذا كان الله تعالى يقول:

(لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ) (الفتح : 17)

فهل قال كذلك:

(ليس على الكافر حرج ولا على الفاسق حرج ولا على الظالم حرج)

أم لم يقل؟ ولماذا إذا؟

ولكن فى حالات خاصة جدا كحالة أبى لهب أو حالة فرعون…

هل كان أبو لهب وغيره من الكفار قادرين على الإيمان أم لا؟

– إن كانوا قادرين على فقد بطل قول الجبرية

– وإن كانوا عاجزين عن الإيمان فكيف يعذبهم؟

واليك بعض الآيات التى أستدل عليها لتساند هذا الرأى …

هل هذه الآيات من المحكم أم من المتشابه ـ مصدر الشبهات ـ الواجب رده إلى أصله؟

ومع ذلك خذ تأويلها:

{أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَا أَن لَّوْ نَشَاء أَصَبْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ }الأعراف100

يصيبهم ويطبع على قلوبهم بماذا؟ بذنوبهم أم بحسناتهم؟

الإجابة: (بِذُنُوبِهِمْ)

{فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ }التوبة77

أعقبهم نفاقا بماذا؟

الإجابة: (بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ )

{وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ }يونس88

دعاء موسى (رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ …) هل هو خبر عن الله أم حكاية عن موسى؟ ثم لماذا دعا عليهم؟ لكفرهم أم لإيمانهم؟

اقرأ قول الله تعالى:

(إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) (القصص : 4)

لتتبين لماذا دعا عليهم.

{أُولَـئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ }النحل108

على من يعود قوله تعالى (أولئك)؟ اقرأ ما سبقها من آيات لتتبين:

(إِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ لاَ يَهْدِيهِمُ اللّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ. إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأُوْلـئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ. مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ. ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَيَاةَ الْدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) (النحل : 104 – 107)

هل قال (لا يهدي القوم المؤمنين) أم قال (لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)؟

{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً }الكهف57

جعل الأكنة على قلوب من؟

الإجابة: (مَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ)

{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ }الصف5

انتبه للجملة الشرطية (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ) فممن جاء فعل الشرط وممن جاء الجواب؟

وقوله تعالى (اللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) صحيح أم يجب أن يكون هكذا (الله لا يهدي القوم المؤمنين)؟

{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ }المنافقون3

طبع على قلوبهم سببا أم نتيجة؟

الإجابة: (بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ)

فأين الجبر المزعوم في الآيات الكريمة السابقة أو في غيرها؟

أنا لم أقصد ان الله أجبرهم على الكفر من البداية ولكن قلت أنه فى حالات خاصة جدا مثل فرعون وأمثاله من الطغاة الذين عتو فى الأرض وأكثروا فيها الفساد وظلم الآخرين يطمس الله على قلوبهم فى النهاية وجأتك بالآيات التى تبين ذلك وتستدل منها تلقائى ماقصدته أنه بسبب عملهم يمكن أن يطبع الله على قلوبهم فعلا….

طبع الله على قلوب الذين يعملون السيئات معناه منع لطفه وتوفيقه ومعونتهم عنهم ولكنه لا يمنعهم من الإيمان فقد يذنب المرء ويتمادى في غيه وضلاله فيمنعه الله لطفه ولكن ما ان يتوب المرء توبة نصوحا فإن الله يمده بالعون واللطف مرة أخرى.

إذا كان الطبع على قلوبهم معناه عدم الإيمان فلا معنى إذا لقوله تعالى:

(فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقًّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً) (النساء : 155)

فما لزوم الإستثناء هنا؟

لن يكون عدلا أن يتجبر انسان ويقتل ماشاء له أن يقتل من البشر وكأنهم اغنام ثم يتوب فتقبل توبته وكأنه لم يرتكب شئ

هذا الكلام يخالف العقل ويخالف القرآن ويخالف الرسول:

– فأما عن مخالفته للعقل لأن العقل يحكم بحسن الطاعة وقبح المعصية والتوبة طاعة فتحسن فكيف لا يقبل الله الشيئ الحسن؟

– وأما عن مخالفته للقرآن فإن الله تعالى يقول:

(قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الزمر : 53)

ويقول:

(وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) (الشورى : 25)

– وأما عن مخالفته للرسول فقد روي عن رسول الله أنه قال:

(إن الله يقبل توبة العبد مالم يغرغر) (حسن / الألباني)

لو أن لو أن الله لايهدى القوم الكافرين ماوجدنا مؤمن لأنه فى الأصل كل مؤمن كان كافر

في الأصل هو أن الله هدانا الطريقين أي بين لنا الطريقين ثم أمرنا بطريق منهما وهو الإيمان ونهانا ـ تحذيرا وتخييرا ـ عن الآخر وهو الكفر لذلك يقول تعالى:

(وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) (البلد : 10)

ويقول:

(وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا. فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا) [الشمس : 7 – 8]

هذه الواقعة ممكنة الحدوث لأن حماية الأهل و العشيرة من عادات و عرف قريش, فلا يستغرب أن يحمي أبو لهب محمد (ص) و هو على ليس على دينه…

هذا الكلام على الرأي الذي يقول بأن أبا لهب كان عما لرسول الله أما الذي أميل إليه فهو أموية أبي لهب زوج أم جميل أخت أبي سفيان بن حرب بن أمية.

في اللسان العربي يمكن أن يكون الفعل بلفظ الماضي و هو حاضر أو مستقبل. الأمثلة في القران عديدة منها: ” أتى أمر الله”, “كنت خير أمة أخرجت للناس”…

هذا رأي وله اعتباره ولكني مع رأي آخر يرى أن الماضي ماضي والحاضر حاضر وهكذا أما الأمثلة فيمكن تأويلها: أمر الله لا يدل ضرورة على القيامة، وهو إن دل عليها فلا يلزم منه أن تأتي بنفسها بل يكفي ذكرها وخبرها مثل “هل أتاك حديث الغاشية” أي خبرها. وأما أن المسلمين خير أمة أخرجت للناس فالإسلام لا يقتصر على أمة محمد بل إمتداد لأمة الإسلام في كل زمان ماض مضى. وأما ما يجري على الألسن من ألفاظ عامية متداولة فلا يصح الإحتجاج به بحال.

علاوة على ذلك فإن السياق الماضي في الآية التي تلتها كما تفضلت بالإشارة يدل على الزمن الماضي يقينا ومن ثم يقوي هذا السياق الرأي الذي يرى أن فعل (ت ب ب) هو فعل ماض حدث وانتهى.


عود على بدء للتدبر في قول الله تعالى
(تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ. مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ. سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ. وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ. فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ) (المسد : 1 – 5)

أولا: مقدمة منهجية
أنطلق في تدبري هذا من قول الله تعالى، بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:

(وَلَقَدْيَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ) (القمر : 17)

وقوله تعالى:

(أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) (محمد : 24)

وأستعين في ذلك التدبر بأدوات البحث المنهجي التي قدمتها في بحث سابق حول منهج فهم لسان القرآن، ومن ثم لا أستعين بأي مرويات سواء وردت في كتب الحديث أو كتب التاريخ اللهم إلا استئناسا، ولا أستعين كذلك بأي مرويات عن أي شيخ من أئمة هذا التيار أو ذاك، فلا أستعين سوى بالنص القرآني، ذلك النص الذي وصفه البارئ جل وعلا بأنه عربي مبين.

ثانيا: في ظلال الآيات
المنطلق الأساسي الذي أنطلق منه في هذا التدبر ليس هو البحث في كون المقصود بقوله تعالى (يداه) هو أبو لهب نفسه أم ابناه، فهذه قضية فرعية، ولكن المنطلق الرئيسي هو التساؤلات التالية:
– اذا كان موت أبي لهب على الكفر معلوم أزلا فكيف يجهد الله رسوله الكريم في الدعوة لشخص محتم كفره؟
– ولماذا لم يرحمه الله من الخلود في النار بأن لا يخلقه من الأساس؟
– وهل هناك حقا علم أزلي؟
– ولماذا لم يذكر القرآن عن ذلك العلم الأزلي شيئا؟
وغير ذلك من التساؤلات العقلية التي تدفعنا للتدبر في الآيات الكريمات للوصول إلى إجابات نطمئن إليها، فكانت من نتيجة ذلك التدبر دلالتان: دلالة المعنى ودلالة الزمن.

ثالثا: دلالة المعنى
أي المعنى الجيني لقوله تعالى (ت / ب / ب) سواء أتب هو أم تبت يداه. هذا المعنى الجيني الذي نبحث وجدناه في كثير من الآيات، مثل قوله تعالى:

(وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ. أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبَابٍ) (غافر : 36 – 37)

فعلمنا أن المقصود هو الضياع أو الذهاب أو الهلاك وكلها تعود لأصل جيني واحد هو الإنقطاع أي أن المفهوم من هذه المادة (ت / ب / ب) هو انقطاع الشيئ بالهلاك.

رابعا: دلالة الزمن
كل فعل في لسان القرآن له زمن محدد، والفعل الدال على زمن ما لا يدل أبدا على زمن آخر إلا بوجود قرينة قاطعة كوصف أحداث القيامة بالزمن الماضي فنعلم أن المقصود حقا هو المستقبل لا الماضي لوجود قرينة قاطعة هي عدم قيام الساعة بعد. في حالة عدم وجود قرينة في السياق فإن الفعل يدل على زمنه الأصلي. لنستصحب هذا الأمر ثم لنقرأ الآيات بلاحظ الزمن الخاص بأفعالها:

(تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ. مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ. سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ. وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ. فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ) (المسد : 1 – 5)

هذه السورة الكريمة تحتوي إجمالا على خمسة أفعال، أربعة منها تدل على الزمن الماضي هي (تبت) / (تب) / (أغنى) / (كسب)، وواحد فقط يدل على الزمن الآتي لإلتصاقه بالسين الدالة على الإستقبال هو (سيصلى). إذن الزمن الغالب على هذه السورة الكريمة هو الزمن الماضي، والسياق القرآني يخلو من أي قرينة تصرف الزمن الماضي إلى المستقبل، فينتج عن ذلك العلم بوقوع تباب أبي لهب أي هلاكه من ثم انقطاعه في زمن سابق على نزول السورة الكريمة.

الخلاصة
من كان أبو لهب؟ عم الرسول أم لا؟ هاشمي أم لا؟ قرشي أم لا؟ فكلها أمور لا تهمنا أساسا، ولكن المهم هو أننا إزاء شخصية ما هلكت على الكفر فنزل البلاغ المبين بخلودها في النار ليكون ذلك البلاغ عبرة وعظة للغير. فلا علاقة إذن بين هذه الآية الكريمة ـ بطرحها القرآني ـ وبين الفهم السقيم للمجبرة، ذلك الفهم الناشئ عن هجر البلاغ المبين إلى أساطير سطرها الأولون وجعلوها دينا بعد أن صبوا على الكتاب الحكيم ركام الإهمال والهجر والنسيان.

أكتفي بهذا القدر والسلام

الحسيني

Published in: on أوت 18, 2007 at 9:56 ص  4 تعليقات  

The URI to TrackBack this entry is: https://alhousseiny.wordpress.com/2007/08/18/%d8%a3%d8%a8%d9%88-%d9%84%d9%87%d8%a8/trackback/

RSS feed for comments on this post.

4 تعليقاتأضف تعليق

  1. الله يعطيك ااالف صحة وعافية
    شكرااااااااا

  2. هذا القول منفرد غريب وفيه جاهليه للاسف..
    الاسلام لم يأتي ليرفع بطن من بطون قريش ويضع آخر بل للمساواة والعدل والتفاضل إنما يكون بالإيمان وإنكار نسب ابي لهب إستناداً إلى أن زوجته من بني أمية لايصح لعدة أوجه فالبطنان عظيمان في قريش ولم يكن التزاوج بينهما ممنوع او معاب
    ومن ثم تفسير يدا أبي لهب بابنيه مع أنهما أسلما عام الفتح وحسن إسلامهما !

  3. الله سبحانه وتعالى يعلم ما كان وما لم يكون وما لم يكن لو كان. وهو يعلم أن أبا لهب لن يسلم .فكيف يعتقد هؤلاء الكفرة الفجرة : أن الله سبحانه تعالى الرحمن الرحيم والذي وسعت رحمته كل شئ والذي لا يظلم مثقال ذرة والذي يقبل التوبة عن عباده ويعفوا عن السيئات ءاذا تاب المسيئ وهو العفو والغفور والتواب والحليم واللطيف..هل يعقل أن الله قضى أن ابا يجب أن يكفر ولو حاول أن يتوب سيمنعه الله أن يتوب؟؟؟؟.تعالى الله عما يصفون. والحمد لله على نعمة الأسلام


اترك رداً على Amro AS إلغاء الرد