أبو العباس محمد بن يزيد المُبَرِّد (210 – 285 هجرية)

جرت عادة الكوفيين والأشاعرة – خصوم المبرد – على ضبط لفظ “المبرد” بفتح الراء أي هكذا: (المبرَّد)، حيث يزعمون أنه اختبأ في البرد حتى تبرَّد فلحقه الوصف بصيغة اسم المفعول. أما نحاة البصرة، والمبرد نفسه منهم، فإنهم يضبطون الإسم بخفض الراء أي هكذا: (المُبرِّد) أي بصيغة اسم الفاعل وهذا هو الذي أميل اليه. جدير بالذكر أن أبا عثمان المازني هو من أطلق على شيخنا أبي العباس لقب (المُبرِّد) لأنه كان يُسكت مخالفه بالحجة الدامغة، فكأن الحيرة والجهل نار تشتعل في صاحبها فإذا جاءه برد اليقين والعلم تبرَّد به. إمامنا المُبرِّد رحمه الله كان من أولئك الذين يبرِّدون الآخرين بغزارة علمهم وقوة حجتهم فلحقه هذا اللقب. هناك إذاً رأيان في سبب تسميته:

[1] … قال له المازني: قم فأنت المبرِّد -بكسر الراء- أي المثبت للحق، فحرفه الكوفيون، وفتحوا الراء. (المنادمة) هي مفاعلة من (الندم) أي اللوم شديد اللهجة الذي يجعل صاحبه يندم على ما فعل. و(المذاكرة) فهي مذكرة أو دعوى مرفوعة ضده تطلب التحقيق معه بشأن واقعة ما !!!.

[2] والرواية – المشكوك في أمرها كالتالي:

(كان سبب ذلك أن صاحب الشرطة طلبني للمنادمة والمذاكرة، فكرهت الذهاب إليه، فدخلت على أبي حاتم سهل بن محمد السجستاني، فجاء رسول الوالي يطلبني فقال لي أبو حاتم: ادخل في هذا – يعني غلاف مزملة فارغًا – فدخلت فيه وغطى رأسه، ثم خرج إلى الرسول فقال ليس هو عندي، فقال: أخبرت أنه دخل إليك. قال: فادخل الدار وفتشها، فدخل وطاف في كل موضع من الدار، ولم يفطن لغلاف المزملة، ثم خرج، فجعل أبو حاتم يصفق وينادي على المزملة: المبرَّد المبرَّد!! وتسامع الناس بذلك فلهجوا به)

أما الرواية الأولى فهي الأقرب للواقع والمنطق، حيث تناظر المبرد مع أحد النحاة بين يدي شيخه المازني رحمه الله، فأفحم المبرد مناظرَه، فأعجب الشيخ بتلميذه، فسماه المبرِّد. أقول: لقد كان المبرد شهيراً بإفحام خصومه، ولا ينسى النحاة مناظرته الكبيرة مع الإمام ثعلب، صاحب كتاب “الفصيح” في فقه اللغة، وكبير نحاة الكوفة آنذاك. لقد استطاع أبو العباس رحمه الله أن يبرِّد ثعلباً رحمه الله، فما بالك بمن هو دون ثعلب!!!

أما الرواية الثانية فأثر الصنعة ظاهر فيها، ولا سيما أنها لا تبرز سبب ملاحقة الشرطة له. فإن أعملنا مقص الجرح والتعديل هنا، فاعلم أن الثابت عند علماء ذلك الفن هو رد الدعوى ما لم تكن مسببة بسبب ظاهر. لذلك نرد – مطمئنين – تلك القصة التي تفوح منها رائحة الإختلاق المذهبي بشقيه: النحوي والعقدي.

أما عن “إعتزالية” المبرِّد رحمه الله، ليست واضحة بشكل قطعي إلا من خلال نسبة الآخرين إياه للفكر الإعتزالي. أقول: الإعتزال في عصر المبرد لم يكن بطبيعة الحال إعتزالاً مذهبياً فلسفياً كالإعتزال في عصر القاضي مثلاً، لكنه كان اعتزالاً فطرياً ناطقاً بتنزيه الله عما لا يليق به في ذاته وصفاته وأفعاله وهذا تجده بين ثنايا موضوعات كتاب “الكامل”. علاوة على ذلك أود إضافة نقطة حول المذهب النقلي والعقلي في النحو: هناك نحاة نقليون يرون مثلاً أن حصر الكلمة في أقسامها الثلاثة المعروفة (الإسم والفعل والحرف) جاء من تتبع كلام العرب المنقول، وهؤلاء هم النحاة النقليون ومعظمهم من أهل السنة. وهناك نحاة عقليون – كالمبرد مثلاً – يرون أن تلك القسمة إنما هي قسمة عقلية لا علاقة لها بالمنقول. إضافة إلى ذلك يكثر النحاة النقليون من المشتقات السماعية حتى لو خالفت القياس بينما يكثر النحاة العقليون من الأقيسة النحوية ومشتقاتها. ربما لا يلاحظ البعض في كلام المبرِّد في “الكامل” ما يدل على إعتزاليته بشكل يجعلنا مطمئنين تماماً لصحة نسبته تلك، بيد أني لاحظت عدة أمور:

[1] يكثر المبرِّد من الإستشهاد بأقوال أمير المؤمنين عليه السلام اللسانية وكذلك بأقوال آل بيته، ونحن لم نعتد من غير العدلية – عادة – على هذا الأمر.

[2] امتدح المبرِّد واصلاً  وأصحابَ النَّظَّام رحمهم الله في سياق الإستشهاد بالبلاغة واللسانيات. بيد أنه ذكر شعراً فيه ذمٌ للمتكلمين لكنه ربما يكون منحولاً أو محمولاً على متكلمي الجبرية كما فعل الشافعي رحمه الله حينما ذم المتكلمين وكان يقصد حفصاً الفرد الجبري. أي أن ذلك ربما يدخل في باب العام الذي يراد به الخاص وتلك قضية مشهورة عند الأصوليين والنُّحاة.

[3] يكثر المبرِّد من الإستشهاد بأقوال العدليين كأبي الأسود والحسن وابن المسيب والخليل وسيبويه وابن عبد العزيز وغيرهم بصورة ملحوظة جداً.

[4] قال ابنُ جني المعتزلي في “سر الصناعة” (1 / 13) ما يلي: “يعد المبرِّد جبلاً في العلم، وإليه أفضت مقالاتُ أصحابِنا، وهو الذي نقلها وقررها، وأجرى الفروع َ والعللَ والمقاييسَ عليها”. أقول: إن كان قصد ابن جني بقوله عن المبرِّد “إليه أفضت مقالاتُ أصحابِنا” المقالات الكلامية فربما يكون قوله ذاك دليلاً قوياً على إعتزالية المبرِّد، إلا أنه ربما يقصد المقالات النحوية للبصريين.

أقول: يؤخذ على ذلك أن ابن جني ما كان ينتمي إلى مدرسة نحاة البصرة التي ينتمي إليها إمامنا المبرد، بل إلى مدرسة نحاة بغداد والتي ينتمى لها عددُ من المعتزلة كأبي علي الفارسي والزمخشري رحمهم الله جميعاً. لذلك أعدل عن الترجيح السابق إلى غلبة الظن بأن لفظ “أصحابنا” في قول ابن جني إن المبرد “إليه أفضت مقالاتُ أصحابِنا” ينصرف إلى أصحابه من المعتزلة وليس من النحاة لاختلاف مدرسة كل منهما النحوية عن الآخر.

والسلام

الحسيني

 

Published in: on أوت 21, 2008 at 10:21 ص  Comments (1)  

بوابة المغادرين – أحمد مطر

ملكٌ كانَ على بابِ السماء

يختمُ أوراقَ الوفودِ الزائرة

طالباً من كُلّ آتٍ نُبذ ة ٌ مُختصرة

عن أراضيهِ . . وعمن أحضره

• قالَ آتٍ : أنا من تلكَ الكُرة

كُنتُ في طائرةٍ مُنذُ قليل

غيرَ أني

قبلَ أن يطرفَ جَفني

جئتُ محمولاً هُنا فوقً شظايا الطائرة !

• قالَ آتٍ : أنا من تلكَ الكُرة

مُنذُ ساعاتٍ ركبتُ البحرَ

لكن

جئتُ محمولاً على متنِ حريق الباخرة !

• قالَ آتٍ : أنا من تلكَ الكُرة

وأنا لم أركبِ الجوّ

أو البحرَ

ولا أملُكُ سِعرَ التذكرة

كنتُ في وسطِ نقاشٍ أخويٌ في بلادي

غير أني

جئتُ محمولاً على متنِ رصاصِ المجزرة!

• قالَ آتٍ : أنا من تلكَ الكُرة

كنتُ من قبلِ دقيقة

أتمشى في الحديقة

أعجبتني وردةٌ

حاولتُ أن أقطفها . . . فاقتطفتني

وعلى باب السماواتِ رمتني

لم أكن أعلمُ أنّ الوردةَ الفيحاءُ

تغدو عبوةٌ متفجرة

• أنا من تلكَ الكُرة

. . . في انقلابٌ عسكري

• أنا من تلكَ الكُرة

اجتياحٌ أجنبي

• أنا من . . .

أعمالُ عُنفٍ في كرا تشي

• أنا . . . . .

حربٌ دائرةٌ

• ثورةٌ شعبيةٌ في القاهرة

• عُبوةٌ ناسفة

• طلقةُ قنا ص

• كمين

• طعنة ٌ في الظهرِ

• ثأرٌ

• هزةٌ أرضيةً في أنقره

• أنا . . .

• من . . .

• تلكَ ا لـ . . .

• . . . كُرة

الملاكُ اهتزّ مذهولاً

وألقى دفتره :

أأنا أجلسُ بالمقلوبِ

أم أنّي فقدتُ الذاكرة ؟

أسألُ الله الرضا والمغفرة

إن تكُن تلكَ هي ا لدُنيا

. . . فأينَ الآخِـرة ؟ !

Published in: on أوت 21, 2007 at 5:06 م  اكتب تعليقُا  

حول نهج البلاغة

كتاب “نهج البلاغة” والذي جمعه الإمام الشريف الرضي – وهو من علماء التوحيد والعدل وليس من علماء الشيعة الإمامية كما يزعمون ـ من كلام أمير المؤمنين عليه السلام خطبا وحكما ومواعظا وغير ذلك من أغراض الكلام كتاب جليل القيمة وعظيم القدر من وجوه عديدة منها:

(1) التعبير عن “الفكر” الإيماني والسياسي والتربوي والبلاغي وغير ذلك من أوجه الفكر الخاص بأمير المؤمنين عليه السلام.

(2) جمعه عالم جليل من علماء التوحيد والعدل وهو الشريف الرضي صاحب الكتب القيمة على هدي منهج المعتزلة مثل “تأويل البيان عن مجازات القرآن” و “حقائق التأويل في متشابه التنزيل” و “مجازات الآثار النبوية” وغير ذلك. وكان تلميذا نابها من تلامذة القاضي عماد الدين أبي الحسن عبد الجبار بن أحمد المعتزلي. وقد صرح الإمام الرضي رضوان الله عليه بالتوحيد والعدل إذ يقول في ديوانه:

أصبحت لا أرجو فضلا ***** ولي فضل هو الفضل

جدي نبيي وإمامي أبي ***** ورايتي هي التوحيد والعدل

أما أخوه الإمام المرتضى رضوان الله عليه فكان أقرب للفكر الإمامي إلا في مسائل التوحيد والعدل فكان يقول فيهما بمقالة المعتزلة. وكانا من العلماء الأعلام والأئمة الكرام رحمهما رب الأنام.

(3) تضافر على شرح “النهج” لأهميته وفضله علماء أجلاء من مدارس فكرية مختلفة مثل شرح الإمام ابن أبي الحديد “المعتزلي” البغدادي وشرح الإمام محمد عبده “الأشعري” وشرح الشيخ محمد جواد مغنية “الإمامي” وغير ذلك من الشروح.

فجزى الله جميعهم خيرا على ذلك الكتاب الرائع انتاجا وجمعا وشرحا.

تحياتي وسلامي

الحسيني

Published in: on أوت 21, 2007 at 4:59 م  اكتب تعليقُا  

خواطري حول شعر لمحمود سامي البارودي

بادر الفرصة و أحذر فوتها*** فبلوغ العز في نيل الفرص

اقتناص الفرص السانحة يحقق مكاسب وفوائد للإنسان قد يصعب تحققها مرة أخرى إذا أساء استخدام الفرصة التي بين يديه أو أضاعها.

واغتنم عمرك إبان الصبا *** فهو إن زاد مع الشيب نقص

قالوا قديما “العلم في الصغر كالنقش على الحجر” أي يثبت ويظل و “العلم في الكبر كالنقش على الماء” فيضيع ولا يبقى له أثر. لابد أن ينتهز الإنسان فترة صباه وشبابه المبكر في طلب العلى والإرتقاء. والعمر هو الشيئ الوحيد الذي إن طال ـ وظهور الشيب دال على ذلك – فإنه ينقص أي نقص ما يتبقى منه.

إنما الدنيا خيال عارض *** قلما يبقي وأخبار تقص

الدنيا حقيقة ولكنها كالخيال إذ نحن لا نملك منها إلا اللحظة التي نعيشها، أما المستقبل فصورة باهتة لم تتضح معالمها بعد وأما الماضي فأثر بعد عين وأخبار يسير بها الركبان بعد أن هجرها الزمان.

فابتدر مسعاك واعلم أن من *** بادر الصيد مع الفجر قنص

كما يجب على الحصيف أن يغتنم صباه ـ بكورة عمره ـ في الجد والإجتهاد، يجب عليه كذلك أن بغتنم بكورة يومه في السعي كالقناص النشط الذي يبكر بالصيد فيغنم.

يكدح العاقل في مأمنه *** فإذا ضاق به الأمر شخص

(إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا. إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا. وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا. إِلاَّ الْمُصَلِّينَ) (المعارج : 19 – 22)

إن ذا الحاجة ما لم يغترب *** عن حماه مثل طير القفص

لا يمنعنك خفض العيش في دعة *** نزوع نفس إلى أهل وأوطان

تلقى بكل مكان حللت به *** أهلا بأهل وخلانا بخلان

واترك الحرص تعش في راحة *** قلما نال مناه من حرص

الحركة والسعي سبيل الوصول أما التثاقل والكسل فمقبرة الأفول

قد يضر الشيء ترجو نفعه *** رب ظمآن بصفو الماء غص

رب منحة في طيها محنة، ورب شيئ تشتهيه تكون نهايتك فيه فالعبرة إذا بنبل الهدف والسعي لتحقيقه والقصد في طلب ذلك.

واختبر من شئت تعرفه فما*** يعرف الأخلاق إلا من فحص

قالوا قديما إن لم تعاشر المرء في سكن أو لم تعامله في تجارة أو لم تصحبه في ترحال فمعرفتك به محال وكم من مرة يخدع المرء بالمعسول من الأقوال فإن اختبره وجده ليس من ذوي الأفعال:

صديقى من يرد الشر عني *** ويرمي بالعداوة من رماني

ويصفو لي إذا ما غبت عنه *** وأرجوه لنائبة الزمان

وحتى لا يقول الإنسان يوم لا ينفع الندم (يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا. لَقَدْ أَضَلَّنِي …) يجب أن يحسن إختيار الصديق:

يحشر المرء على دين خليله *** فلينظر أحدكم في من يخالل

تحياتي وسلامي

الحسيني

Published in: on أوت 21, 2007 at 4:55 م  اكتب تعليقُا  

فقه الجملة الفعلية

مما يلفت النظر بشدة خلال قراءة كتاب السينمائي المصري شريف الشوباشي صاحب كتاب (لتحيا اللغة العربية يسقط سيبوية) هو موقفة من الجملة الفعلية، ومطالبته بإلغاءها. والعجيب في الأمر أن مستنده في هذا الأمر هو خلو اللغات الأجنبية من الجمل الفعلية. وهو قد غفل عن حقيقة وجود الجملة الفعلية في اللغات الأجنبية في موضعين:(1) الإستفهام مثل Can you speak English في الإنجليزية وغيرها.

(2) الشرط مثل Sollten wir ihn besuchen, dann bleiben wir dort nicht lange في الألمانية وغيرها.

ولكنه يقصد الجمل الخبرية لا الإنشائية، وهذه لا وجود لها في اللغات الأوروبية. هذا هو مستنده الوحيد الذي صرح به في كتابه المذكور.

لنلاحظ الجملتين الآتيتين و لنسأل أنفسنا ما الفرق بينهما؟ هل هما مترادفتين كما ظن الشوباشي؟

(1) طار العصفور

(2) العصفور طار

الجملة الأولى فعلية لأنها تبدأ بفعل، والثانية إسمية لأنها تبدأ بإسم، فما هي دلالة كل منهما؟

[1] الجملة الفعلية تدل على (عادة) أو (إضطراد) طبيعي يحدث ويتكرر اليوم وكل يوم، فعادة العصفور هي الطيران وهي عادة مضطردة. أقرب جملة أجنبية لهذا المعنى هو ما يعبر عنه بالإنجليزية بـ Present Simple Tesne أي المضارع البسيط.

[2] الجملة الإسمية لا تدل على (عادة) أو (إضطراد) طبيعي يحدث ويتكرر اليوم وكل يوم، فقولنا (العصفور طار) يوحي بأنه كان فرخا لم يطر بعد أو كان مصابا ثم تعافى فطار وهكذا. أقرب جملة أجنبية لهذا المعنى هو ما يعبر عنه بالإنجليزية بـ Present Continuous Tesne أي المضارع المستمر.

(1) The bird flys (عادة متكررة / جملة فعلية)

(2) The bird is flying (في لحظة الكلام / جملة إسمية)

وهكذا فكما أنه لا ترادف بين (حمامة) و (يمامة) فلا ترادف كذلك بين الجملة (الفعلية) و (الإسمية) فهل يعي شريف الشوباشي رجل السينما والمهرجانات ذلك؟

تحياتي

الحسيني

Published in: on أوت 17, 2007 at 5:52 م  اكتب تعليقُا  

قضايا في فقه اللغة

فيما يلي أسطر أفكارا حول قضايا هامة في فقه اللغة وهي قضايا الترادف والمشتركات اللفظية والمعنوية والجذرية.

المبحث الأول: قضية الترادف

السيف

الحسام

المهند

كلمات نسمعها كثيرا ونعتقد أن جميعها يدل على نفس المعنى …

الأسد

الهزبر

القسورة

كلمات يستخدمها الناس بوصفها تشير لحقيقة واحدة …

فهل الأمر كذلك حقا؟ هل تلك الألفاظ مترادفة وتدل على نفس المعنى؟ هذا ما سيتم بحثه في عجالة في هذا المقال بتوفيق الله.

أولا: موقف اللغويين من المترادفات

[1] من أنكر وقوع الترادف: أبو علي الفارسي المعتزلي، إبن جني المعتزلي، المبرد المعتزلي، أبو مسلم محمد بن بحر الأصفهاني المعتزلي، أبو هلال العسكري، إبن فارس، الخطيب الإسكافي، ثعلب، القاضي البيضاوي الشافعي. وحجتهم العقلية في ذلك أن اللغة وضعية ـ الهية التنزيل ـ وليست اصطلاحية ومن ثم تتصف بالحكمة، ومما يخالف الحكمة التكرار الإستعراضي الذي ليس من ورائه طائل. هذا إضافة لحجة عملية أو موضوعية وهي خلو القرآن بالفعل من المترادفات، وأن الكلمات التي نخالها متطابقة ليست كذلك في الواقع وإنما بينها فروق وإن دقت.

[2] من أثبت وقوع الترادف: سيبوية، الأصمعي، الفيروزآبادي، الجلال السيوطي، الآمدي الشافعي. وحجتهم في ذلك أن الترادف دليل على سعة اللغة.
 

ثانيا: التعريف الإصطلاحي للمترادفات

المترادفات هي ألفاظ متعددة تدل على معنى واحد

 

ثالثا: التعريف اللساني للمترادفات

وردت مادة (ردف) في الكتاب في ثلاثة مواضع تدل على التتابع الداني وليس القاصي:

(إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ) (الأنفال : 9)

(قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ) (النمل : 72)

(يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ. تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ) (النازعات : 6 – 7)

 

رابعا: مدى إتفاق مفهوم الترادف إصطلاحا ولسانا

بينما يستخدم اللغوين مادة (ر د ف) للدلالة على تعدد ألفاظ المعنى الواحد يدل المفهوم القرآني لمادة (ر د ف) على معنى آخر هو (التتابع الداني) وبهذا يظهر انحراف المعنى الإصطلاحي الوضعي عن المفهوم القرآني التنزيلي، فكان الأحرى باللغوين أن يسموا مفهومهم عن تعدد ألفاظ المعنى الواحد تطابقا وليس ترادفا. فالقرآن يشير إذا لعدم دلالة الترادف على التطابق ولكن دلالته على تقارب المعاني وذلك على النحو الذي توضحه الأمثلة التالية.

 

خامسا: أمثلة توضيحية لعدم وقوع الترادف

 

[1] السيف والحسام والمهند

يقول الشاعر:

وظلم ذوي القربى أشد مضاضة ***** على النفس من وقع الحسام المهند

– السيف هو إسم السلاح الأبيض الطويل سواء كان ماضيا أم لا

– الحسام من الحسم أي القطع هو إسم الحد القاطع (النصل الماضي) للسيف

– المهند هو إسم الحديد الصلب المجلوب من الهند

ألفاظ ثلاثة يدل كل لفظ منها على معنى قائم بذاته وليس بينها تطابق أبدا.

[2] الأسد و الهزبر والقسورة

ـ الأسد هو الحيوان المعروف الذي يسود سائر الحيوانات الأخرى (ملك الغابة)

– الهزبر هو إسم لملك الغابة حينما يكون قويا وفتيا وليس ضعيفا ومسنا

– القسورة هو إسم لأنثى الأسد وهي التي تتولى صيد الفريسة

ألفاظ ثلاثة يدل كل لفظ منها على معنى قائم بذاته وليس بينها تطابق أبدا.

[3] الحوراء و الهدباء والهيفاء

يقول الشاعر:

إن العيون التي في طرفها حور ***** قتلننا ثم لم يحيين قتلانا

– الحوراء الجميلة العينين ذات الحدقتين المتسعتين شديدة بياض بياضهما وسواد سوادهما

– الهدباء هي الطويلة الأهداب (رموش العين)

– الهيفاء هي طويلة القامة

ألفاظ ثلاثة يدل كل لفظ منها على معنى قائم بذاته وليس بينها تطابق أبدا.

 

سادسا: فروق لغوية لأبي هلال العسكري

أبو هلال العسكري رحمه الله كان من فقهاء اللغة الكبار الذين فندوا نظرية الترادف المزعومة (التطابق) وصنف في ذلك كتبا كثيرة للدلالة على أن هناك ثمة فروق في معاني الألفاظ التي يخالها الناس مترادفة، من ذلك الألفاظ الآتية:

– الفرق بين الحلم والرؤيا: كلاهما ما يراه الانسان في المنام لكن غلبت الرؤيا على ما يراه من الخير، والشئ الحسن، والحلم ما يراه من الشر والشئ القبيح.

– الفرق بين الحماية والحفظ: أن الحماية تكون لما لا يمكن إحرازه وحصره مثل الأرض والبلد، تقول: هو يحمي البلد والأرض، والحفظ يكون لما يُحرز ويُحصر وتقول هو يحفظ دراهمه ومتاعه.

– الفرق بين الحمد والمدح: أن الحمد لا يكون إلا على إحسان، والمدح يكون بالفعل والصفة وذلك مثل أن يمدح الرجل باحسانه إلى غيره وأن يمدحه بحسن وجهه وطول قامته ولا يجوز أن يحمده على ذلك وإنما يحمده على إحسان يقع منه فقط.

– الفرق بين الخجل والحياء: الخجل مما كان والحياء مما يكون.

– الفرق بين الخشوع والتواضع: التواضع يعتبر بالاخلاق والأفعال الظاهرة والباطنة. والخشوع: يقال باعتبار الجوارح.

– الفرق بين القسم والحلف: أن القسم أبلغ من الحلف.

– الفرق بين الغضب والسخط: أن الغضب يكون من الصغير على الكبير ومن الكبير على الصغير، والسخط لا يكون إلا من الكبير على الصغير.

 

سابعا: مناقشة مثبتي الترادف

يزعم مثبتوا الترادف أن القول بالترادف يدل على سعة اللغة بينما العكس هو الصحيح، وللتدليل على ذلك اضرب مثلا: لنفترض أن هناك لغة ما تتكون فقط من 100 كلمة ـ للتبسيط بالطبع ـ وأن كل كلمتين منها تدل على معنى واحد، فتحتوي هذه اللغة عند الترادفيين فقط على 50 معنى بينما هي تحتوي عند اللاترادفين على 100 معنى تماما فأي النظريتين تقود لتوسعة اللغة؟ بالطبع نظرية اللاترادف وبالأدق اللاتطابق.

المبحث الثاني: قضية المشتركات

أولا:المشترك اللفظي

المشترك اللفظي يعني أن لفظاً واحداً يكون موضوعاً لعدة معاني، كل معنى منها يغاير المعنى الآخر.

مثال: لفظ (العين)

هو لفظ واحد (ع، ي، ن) موضوع لمعاني عديدة هي: الباصرة، النابعة، الذهب والفضة، … الخ.

من المشترك اللفظي في القرآن: كلمة (آية)

وتأتي في الكتاب للمعاني الآتية:

[1] البناء العالي، ومنه قوله تعالى:

﴿أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آَيَةً تَعْبَثُونَ﴾ [الشعراء: 128]

أي: بناء عاليًا.

[2] عبرة وموعظة، ومنه قوله تعالى:

﴿فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً﴾ [يونس: 92]

أي: عبرة لمن بعدك.

[3] علامة واضحة، ومنه قوله تعالى:

﴿وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آَيَةٌ﴾ [البقرة: 118]

أي: علامة.

[4] معجزة، ومنه قوله تعالى:

﴿وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آَيَةً﴾ [المؤمنون: 49]

أي: معجزة دالة على قدرة الله تعالى.

ثانيا:المشترك المعنوي

المشترك المعنوي يعني أن لفظاً واحداً يكون موضوعاً لمعنى واحد ولكنه معنى كلي وعام، وله مصاديق متعددة.

مثال: لفظ (الكتاب)

لفظ موضوع لمعنى الكتاب، فاللفظ واحد والمعنى واحد – كلي وعام – لأن معنى الكتاب، ينطبق على الكتاب الصغير والكتاب الكبير، المطبوع والمخطوط، القديم والحديث، فالإشتراك هنا في المعنى، ولكن المصاديق مختلفة ومتغايرة، ولذلك نقول المشترك هنا معنوي.

ثالثا: هل المشترك اللفظي واقع في الكتاب؟

الظاهر أنه واقع، وقد ضربت مثالا على ذلك بكلمة (آية) ـ في هذا البحث ـ وكلمتي (الضلال) و (القضاء) في بحث آخر. علاوة على ذلك أذكر مزيدا من الأمثلة:

[1] من المشترك اللفظي في القرآن: كلمة (رحمة)

جاءت في القرآن الكريم على أربعة عشر وجهاً:

1- الإسلام: ﴿ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ ﴾[البقرة: 105].

2- الإيمان: ﴿ وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ ﴾[هود: 28].

3- الجنة : ﴿ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾[آل عمران:107].

4- المطر: ﴿ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ﴾[لأعراف: 57].

5- النعمة: ﴿ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ﴾[النساء: 83].

6- النبوة: ﴿ أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ ﴾[صّ: 9]، ﴿ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ﴾[الزخرف: 32].

7- القرآن: ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ ﴾[يونس: 58].

8- الرزق: ﴿ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي ﴾[الاسراء: 100].

9- النصر والفتح: ﴿ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً ﴾[الأحزاب: 17].

10- العاقبة: ﴿ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ ﴾[الزمر: 38].

11- المودة: ﴿ رَأْفَةً وَرَحْمَةً ﴾[الحديد: 27] ﴿ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ﴾[الفتح: 29].

12- السعة: ﴿ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ ﴾[البقرة: 178].

13- المغفرة: ﴿ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ﴾[الأنعام: 12].

14- العصمة: ﴿ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ ﴾[هود: 43].

[2] من المشترك اللفظي في القرآن: كلمة (هـدى)

جاءت في القرآن الكريم على سبعة عشـر وجهًا:

1- الثبات: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ ﴾ … [الفاتحة:6].

2- البيان: ﴿ أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ﴾ … [ البقرة:5].

3- الدين: ﴿ إِنَّ الهُدَى هُدَى اللَّهِ ﴾ … [آل عمران:73].

4- الإيمان: ﴿ وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى ﴾ … [مريم:76].

5- الدعاء: ﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ﴾ … [الأنبياء:73].

6- الرسل والكتب: ﴿ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى ﴾ … [طه:123].

7- المعرفة: ﴿ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ﴾ … [النحل:16].

8- النبي -صلى الله عليه وسلم-: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ البَيِّنَاتِ وَالْهُدَى ﴾ … [البقرة:59].

9- القرآن: ﴿ وَلَقَدْ جَاءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ الهُدَى ﴾ … [النجم:23].

10-التوراة: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الهُدَى ﴾ … [غافر:53].

11- الاسترجاع: ﴿ وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ ﴾ … [البقرة:157].

12- التوحيد: ﴿ إِن نَّتَّبِعِ الهُدَى مَعَكَ ﴾ … [القصص:57].

13- الإعانة والتوفيق: ﴿ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ … [ البقرة:258]

14- السنة: ﴿ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ﴾ … [الأنعام:90].

15- الإصلاح: ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الخَائِنِينَ ﴾ … [يوسف:52].

16- الإلهام: ﴿ أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾ … [طه:50] أي ألهم المعاش.

17- الإرشاد: ﴿ أَن يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ ﴾ … [القصص: 22].

[3] من المشترك اللفظي في القرآن: كلمة (ذكر)

جاءت في القرآن الكريم علـى عشـريـن وجهًـا:

1ـ ذكر اللسان: ﴿ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ ﴾ [البقرة:200].

2 ـ ذكر القلب: ﴿ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ ﴾ [آل عمران:135].

3 ـ الحفظ: ﴿ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ ﴾ [البقرة:63].

4 ـ الطاعة والجزاء: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ﴾ [البقرة:152]، أي أطيعوني أجزكم.

5 ـ الصلوات الخمس: ﴿ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ ﴾ [البقرة:239].

6 ـ العظة: ﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ ﴾ [الأنعام: 44].

7 ـ البيان: ﴿ أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ [الأعـراف:63، 69].

8 ـ الحديث: ﴿ اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ ﴾ [يوسف:42].

9 ـ القرآن: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا ﴾ [طـه:144]، ﴿ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ ﴾ [الأنبياء:2].

10 ـ التوارة: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنبياء: 7].

11 ـ الخبر: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا ﴾ [الكهف: 83].

12 ـ العيب: ﴿ أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آَلِهَتَكُمْ ﴾ [الأنبياء: 36].

13 ـ اللوح المحفوظ: ﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ﴾ [الأنبياء:105].

14 ـ الشرف: ﴿ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ ﴾ [الزخرف:44].

15 ـ الثناء: ﴿ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الشعراء:227].

16 ـ الوحي: ﴿ فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا ﴾ [الصافات: 3]، والمراد الملائكة تتلوا كتاب الله.

17 ـ الرسول: ﴿ قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا ﴿10﴾ رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِ اللَّهِ ﴾ [الطلاق:10].

18 ـ الصلاة: ﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾ [العنكبوت: 45].

19 ـ صلاة الجمعة: ﴿ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ﴾ [الجمعة: 9].

20 ـ صلاة العصر: ﴿ فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ ﴾ [ص: 32].

رابعا:المشترك الجذري

من فقهاء اللغة الكبار الذين أشاروا لأهمية المشترك الجذري (الجيني) للألفاظ هو ابن فارس صاحب موسوعة (المقاييس) في فقه اللغة. لم يتم دفع البحث في هذا الإتجاه بعيدا للأسف الشديد ولعله يأتي زمن يدفع فيه فقهاء اللغة البحث والتدقيق في هذا النوع من المشتركات للأمام بتوفيق الله.

مفهوم المشترك الجذري هو أن المشتركات اللفظية تعود جميعها لجذر واحد يحمل بصمة جينية واحدة يمكن التفسير على أساسها، فمثلا: المشترك اللفظي القرآني (ضلال) يحمل عدة معاني منها: الذهاب، العذاب، عدم الهدى، فلو دققنا النظر في هذه المشتركات اللفظية فسنجدها تدل في النهاية على معنى جذري (ض ل ل) واحد هو (الضياع) أو (التيه) فمنع الهداية معناه الضياع و الذهاب في الأرض معنى كذلك الضياع وعذاب الآخرة هو ضياع.

مفهوم آخر للمشترك الجذري هو أن الألفاظ المشتركة في جذر واحد تدل على معنى واحد مع مراعاة قواعد التجريد والزيادة فمثلا كلمة (جمل) وكلمة (جمالات) مشتركتان في جذر ثلاثي واحد هو (ج) (م) (ل) ومن ثم فهما يحملان بصمة معنوية واحدة، فالجمل هو الحبل الرقيق الذي يربط به البعير ـ تم استعارة مفهوم الجمل أي الحبل لإطلاقة على البعير في مراحل متأخرة ـ أما الجمالات (الصفر) فهي الروابط الضخمة التي تصل ما بين السماء والأرض يوم القيامة.

أكتفي بهذا القدر الآن

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحسيني

Published in: on أوت 17, 2007 at 5:50 م  اكتب تعليقُا  

من اعراب المشكل في القرآن

 [1]
إعراب كلمة (المقيمين) في قول الله تعالى
(لَّـكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أُوْلَـئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا) (النساء : 162)

أولا: السياق الجزئي للآية الكريمة

(فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ كَثِيرًا. وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا لَّـكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أُوْلَـئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا) (النساء : 160 – 162)

ثانيا: فقه الجمع في لسان العرب

الجمع في لسان العرب نوعان: جمع التكسير وجمع السالم. أما جمع التكسير فهو جمع سماعي مثل (رجل / رجال)، (بيت / بيوت)، (لعبة / ألعاب)، … الخ. وأما جمع السالم فهو جمع قياسي ويكون للمذكر بزيادة واو و نون على آخر المفرد المذكر في حالة الرفع أو ياء ونون في حالتي النصب والخفض (الجر)، مثل (لاعب / لاعبون / لاعبين)، ويكون للمؤنث بزيادة ألف وتاء على آخر المفرد المذكر في جميع الحالات، مثل (مهندس / مهندسات) وهكذا. أما بالنسبة لإعراب الجمع فهو كالتالي: يعرب جمع التكسير حسب موقعه في الجملة بأحد علامات الإعراب الأصلية وهي الضم في حالة الرفع والفتح في حالة النصب والكسر في حالة الجر. أما جمع المذكر السالم فيرفع بالواو وينصب ويجر بالياء. وأخيرا يرفع جمع المؤنث السالم بالضم وينصب ويجر بالكسر.

ثالثا: تشريح كلمة (المقيمين)

كلمة (المقيمين) هي جمع سالم للمذكر والمفرد منها كلمة (المقيم) وهي كلمة مفردة معرفة بالألف واللام ونوعها هو (اسم فاعل) مشتق من الفعل الماضي الرباعي (أقام)، وهي تختلف عن كلمة (القائم) التي هي كذلك (اسم فاعل) ولكنها مشتقة من الفعل الماضي الثلاثي (قام).

رابعا: إعراب (المقيمين)

لما كانت للأسماء ـ مفردة كانت أو جمع ـ ثلاث حالات إعرابية، الرفع والنصب والجر، فقد أجرى اللغويون جميع تلك الحالات كوجوه محتملة لإعراب كلمة (المقيمين) على النحو التالي:

أولا: الرفع

انفرد ـ فيما أعلم ـ الشيخ الشعراوي (من علماء البلاغة المعاصرين) رحمه الله بهذا الوجه إذ رأى أن كلمة (مقيمين) معطوفة على (مرفوع) وهو قوله تعالى (الراسخون …) ومن ثم كان يجب أن تكون مرفوعة بالواو كذلك ولكن لدواعي بلاغية حدث كسر إعراب.

يؤخذ على هذا الرأي أن كسر الإعراب قاعدة بلاغية وليست نحوية ويأتي غالبا في الشعر لدواعي الأوزان والقافية.

ثانيا: النصب

أجرى هذا الوجه سيبوية ونحاة مدرسة البصرة (البصريون) بإعتبار كلمة (المقيمين) منصوبة على (المدح).

ثالثا: الجر

أجرى هذا الوجه نحاة مدرسة الكوفة (الكوفيون) بإعتبار كلمة (المقيمين) معطوفة على مجرور، واختلفوا في تعيين المعطوف عليه إلى أربعة إحتمالات على الأقل هي:

[1] العطف على ضمير الجمع للغائب في كلمة (منهم) والتي تتركب من مقطعين هما حرف الجر (من) و ضمير الغائب في محل جر (هم) فيكون المعنى هو (لكن الراسخون في العلم منهم) و من (المقيمين الصلاة) إشارة إلى الأنبياء على الأرجح.

[2] العطف على (ما) في كلمة (بما) والتي تتركب من مقطعين هما حرف الجر (بـ) و الإسم الموصول في محل جر (ما) فيكون المعنى هو (يؤمنون بما أنزل إليك) و بـ (المقيمين الصلاة) إشارة إلى الأنبياء كذلك.

[3] العطف على كاف الخطاب في محل جر في كلمة (إليك) والتي تتركب من مقطعين هما حرف الجر (إلى) و كاف الخطاب في محل جر (ك) فيكون المعنى هو (يؤمنون بما أنزل إليك) و إلى (المقيمين الصلاة) إشارة إلى الأنبياء كذلك.

[4] العطف على كاف الخطاب في محل جر في كلمة (قبلك) والتي تتركب من مقطعين هما ظرف الزمان المضاف (قبل) و كاف الخطاب في محل جر مضاف إليه (ك) فيكون المعنى هو (ما أنزل من قبلك) ومن قبل (المقيمين الصلاة) إشارة إلى الأنبياء كذلك.

رابعا: إجتهاد ذاتي في إعراب (المقيمين)

أذهب في هذا الوجه مذهب البصريين أن كلمة (المقيمين) منصوبة بالياء لأنها جمع سالم للمذكر وليست معطوفة لا على مرفوع كما ذهب الشعراوي ولا على مجرور كما ذهب الكوفيون، وأختلف مع البصريين في سبب النصب ـ نحويا وليس بلاغيا ـ أنها (مفعول معه) منصوب حيث تقوم الواو بعمل حرف الجر (مع) ومن ثم يكون المعنى هو (الراسخون في العلم …) يؤمنون مع (المقيمين الصلاة).

خامسا: فائدة بلاغية

يمكن الجمع بين الوجه (النحوي) في إعراب كلمة (المقيمين) مع الوجه (البلاغي) على النحو التالي:

سادسا: الملخص

كلمة (المقيمين) اسم منصوب وعلامة نصبه الياء لأنه جمع مذكر سالم وسبب نصبه (نحويا) هو كونه مفعول معه، وتم تخصيصه هو بالذات (بلاغيا) لكونه مدحا (إشارة) لأهمية إقامة الصلاة.

[2]

إعراب قول الله تعالى
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِؤُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ
وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) (المائدة : 69)

سأقوم أولا بإعراب الآية بالكامل عدا كلمة (الصابؤون) ثم أقوم بإعرابها بعد إتمام اعراب بقية كلمات الآية الكريمة.– إن: حرف نسخ ونصب مبني على الفتح

-الَّذِينَ: إسم موصول مبني على الفتحة الظاهرة على آخره ، اسم إن.

– آمنوا: آمن فعل ماضي مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة، واو الجماعة فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على آخره منع من ظهورها التعذر. والفعل والفاعل جملة فعلية لا محل لها من الإعراب لكونها صلة الموصول.

– والذين: الواو حرف عطف، و الذين اسم موصول مبني على الفتحة الظاهرة على آخره معطوف.

– هادوا: هاد فعل ماضي مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة، واو الجماعة فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على آخره منع من ظهورها التعذر. والفعل والفاعل جملة فعلية لا محل لها من الإعراب لكونها صلة الموصول.

– والنصارى: الواو حرف عطف والنصارى اسم معطوف على ما قبله

– من: بدل من (الذين آمنوا) وما بعده في محل نصب

– آمن: فعل ماضي مبني على الفتحة الظاهرة على آخره، والفاعل ضمير مستتر في محل رفع تقديره (هو).

– بالله: الباء حرف جر، و لفظ الجلالة اسم مجرور بالباء وعلامة الجر الكسرة الظاهرة على آخره.

– واليوم الآخر: الواو حرف عطف واليوم اسم مجرور معطوف على لفظ الجلالة وعلامة الجر الكسرة الظاهرة على آخره، والآخر صفة لليوم مجرورة وعلامة الجر الكسرة الظاهرة على آخرها.

– وعمل: الواو حرف عطف و عمل فعل ماضي معطوف على (آمن) مبني على الفتحة الظاهرة على آخره، والفاعل ضمير مستتر في محل رفع تقديره (هو).

– صالحا: مفعول به منصوب وعلامة النصب الفتحة الظاهرة على آخره.

– فلا خوف: الفاء حرف ربط، و (لا) حرف نفي، و خوف خبر إن مرفوع وعلامه رفعه الضمة الظاهرة على آخره.

– عليهم: على حرف جر والضمير (هم) مجرور وعلامة الجر الكسرة المقدره على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بالسكون لكونه مبنيا، متعلق بـ (خوف) و بـ (لا).

– ولا هم: الواو حرف عطف و (لا) زائدة بين العاطف والمعطوف، وهم ضمير في محل رفع مبتداء.

– يحزنون: يحزن فعل مضارع مرفوع بثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة و واو الجماعة فاعل، والجملة من الفعل والفاعل في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة من المبتدأ والخبر معطوفة على (خوف).

إعراب قول الله تعالى
(…الصَّابِؤُونَ …) (المائدة : 69)

بالمناسبة لماذا تكتب (الصابؤون) وليس (الصابئون)؟ وهل لهذا الرسم علاقة بالإعراب؟ تتعدد الوجوه الإعرابية لتلك الكلمة وبعضها قوي والبعض الآخر ضعيف. وبعد قيامي بدراسة كافة الوجوه الإعرابية للكلمة محل البحث، استحسنت ثلاثة وجوه أراها أقوى وأجود ما قيل، وهذه الوجوه ذكرتها في الفقرة التالية:[1] الواو للإستئناف (استئنافية). الصابؤون مبتدأ مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم، والخبر محذوف وتقديره (كذلك)، فيكون تقدير الآية كلها هو:إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحًا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ وَالصَّابِؤُونَ [كذلك].

[2] قوله تعالى (إن الذين آمنوا) مصدر مؤول في محل رفع مبتدأ تقديره (المؤمنون). الصابؤون اسم معطوف على محل (إن الذين آمنوا) مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم فيكون تقدير الآية هو:

[المؤمنون] وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِؤُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحًا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ.

[3] قوله تعالى (الذين آمنوا) في محل رفع مبتدأ وما يأتى وراءه ـ ومنه الصابؤون ـ معطوف على مرفوع فيكون مرفوعا كذلك، وتكون (إن) هنا غير عاملة، أي ليست الناسخة ولكنها بمعنى نعم، ويكون تقدير الآية هو:

[نعم] الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِؤُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحًا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ.

سؤال

بغض النظر عن العلة لمجئ الكلمة مرفوعة لماذا اختلفت هذه الآية عن الآيتين التاليتين رغم تطابقهم؟(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة : 62)(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (الحج: 17)

جواب

يقال في (الصابؤون) ما قد قيل في كلمة (المقيمين) في قول الله تعالى:(لَّـكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أُوْلَـئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا) (النساء : 162)

أن القضية ليست قضية (نحوية) ولكنها قضية (بلاغية) لإثارة الإنتباه وابلاغنا بأهمية تلك الكلمة، فالصابئ هو من خرج من دينه، ولعل الله تعالى أراد أن يقرع آذان المشركين والكفار بذكرها مرفوعة وسط سياق منصوب ـ وإن صحت وجوه الرفع لغويا ـ للفت إنتباههم وحثهم على الخروج من دين الوثنية إلى دين الإسلام، فجاءت السياقات الأخرى للكلمة المذكورة بصورة طبيعية ثم تم قرع آذان الكفار وغيرهم بهذا السياق الجديد أخذا في الإعتبار أن سورة المائدة هي آخر سور القرآن الكريم نزولا.

[3]

إعراب كلمة (يأتين) في قول الله تعالى
(وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) (الحج : 27)

[1] قوله تعالى (وَأَذِّن فِي النَّاسِ …) يحتوي على إسم محدد وهو كلمة (الناس) وهي كلمة مشتقة من (الإنس) ـ مقابل الجن ـ وذلك بلحاظ المشترك الحرفي (ا ن س). السؤال الآن هل هو: هل كلمة (الناس) ترادف كلمة (الرجال) أم تغايرها؟ وإذا كان المقصود هم الرجال فقط أي الذكور دون الإناث فلماذا لم يقل (وأذن في الرجال بالحج) بدلا من قوله (وأذن في الناس بالحج)؟ فهل خلت الآية من الحكمة وجاءت كلماتها عبثا أم أن كلامها هو الحكمة البالغة؟[2] أين فاعل (يأتوك) في قوله تعالى (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا)؟ إن كلمة (رجالا) منصوبة والفاعل يجب أن يكون مرفوعا فأين هو الفاعل؟ الملاحظ أن لفظ (يأتوك) ليس كلمة في الحقيقة ولكنه جملة تتكون من:- فعل مضارع معتل الآخر هو (يأتي) وهو مجزوم لوقوعه جواب لشرط (أذن) وعلامة جزمه حذف حرف العلة أي يصبح رسمه هكذا (يأت)

ـ فاعل هو (الواو) مرفوع وعلامة رفعه الضمة ومنع من ظهورها التعذر

– مفعول به هو كاف الخطاب (ك) منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.

فالفاعل هنا هو الواو العائدة على الإسم المتقدم وهو (الناس) والمعنى تقديره هو كالآتي: أذن في الناس بالحج يأتي الناس إليك. وهنا نكرر السؤال: هل كلمة الناس ترادف كلمة الرجال في اللسان العربي المبين؟

[3] ما هو إعراب (رجالا) في قوله تعالى (يَأْتُوكَ رِجَالا)؟ إن معرفة إعراب هذه الكلمة يكشف الكثير. كلمة (رجالا) هي حال منصوب وعلامة نصبه التنوين نيابة عن الفتحة أي أنهم جاؤا بـ (حال) معين وليس بـ (جنس) معين، وكلمة (رجال) ليس جمعا سالما للمذكر ولكنها جمع تكسير والمفرد هو (راجل) ـ وعكسه راكب ـ وليس (رجل) .

[4] ما هو إعراب قوله تعالى (وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ)؟ حيث سيوضح لنا الإعراب كثير من الحقائق: (على) حرف جر دال على الإستعلاء والحروف كلها مبنية وليست معربة، (كل) إسم مجرور بـ (على) وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره، مضاف، و (ضامر) مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره، والجملة كلها من حرف الجر والمضاف والمضاف إليه في محل نصب لأنها كذلك حال، أي أن الناس يأتون على حالين: سيرا وركبانا.

[5] أهم ما في الجملة ـ إعرابيا ـ هو قوله تعالى (يَأْتِينَ) فماذا نعربها؟ وحتى لا أثقل عليك سأعربها بنفسي: (يأتي) فعل مضارع ليس مجزوما لكونه ليس جوابا لشرط بل مرفوع وعلامة رفعة الضمة المقدرة منع من ظهورها التعذر، ولكن أين الفاعل؟ النون الدالة على التأنيث هي الفاعل في محل رفع لكونها مبنية على الكسر، وأهم سؤال هنا هو لماذا نون التأنيث؟

كلمات مثل راجل أو رجال أو ضامر كلها مذكرة فلماذا قال (يأتين) ولم يقل (يأتون)؟ أتعرف لماذا؟ الإجابة ليست في (النحو) ولكنها في (البلاغة). النحاة يقولون أن النون هنا تعود على عاقل أي على الناس والبلاغيون سيقولون لك أن من عظيم بلاغة القرآن أن جاء بفعل واحد هو فعل (يأتي) وفاعله يعود لإسم واحد هو (الناس) ولكنه ـ أي الفاعل ـ جاء مرة مذكرا ومرة مؤنثا، وما ذلك إلا للدلالة ببلاغة رائعة على أن لفظ (الناس) يشتمل على الجنسين الذكر والأنثى أي الرجال والنساء.

الحسيني

Published in: on أوت 17, 2007 at 5:43 م  اكتب تعليقُا  

ما لا يسع المبتدئين في النحو جهلُه

تعريف النحو لغةً
تطلق كلمة “نحو” في لسان العرب على عدة معاني ـ أي أنها من المشتركات اللفظية ـ منها:

(1) (الجهة) فنقول: ذهبت نحوَ زيد أي: جهتَه.

(2) (الشبه) فنقول: زيدٌ نحوُ علي أي: شِبْهُه.

(لاحظ أن الواو في الأولى مفتوحة وفي الثانية مضمومة).

تعريف النحو اصطلاحاً
علم قواعد أحكام أواخر الكلمات العربية في حال تركيبها من حيث الإعراب والبناء: أما (الإعراب) فهو تغير آخر الكلمة مع تغير موقعها في الجملة وأما (البناء) فهو ثبات آخر الكلمة مع تغير موقعها في الجملة.

تعريف النحو جذراً
يهدف التعريف الجذري لكلمة “نحو” إلى توحيد كافة المعاني السابقة في معنى واحد يمثل “مفهوما” للنحو. باستقراء المعاني السابقة نقف على “المشترك الجذري” لكلمة “نحو” وهو “القرب” أو ما يشتق منه من ألفاظ مثل الإقتراب والمقاربة وغير ذلك:

(1) ذهبت نحوَ زيد أي: اقترب منه مكاناً

(2) زيدٌ نحوُ علي أي: اقترب منه هيئةً

(3) النحو علم قواعد الإعراب والبناء أي: مقاربة / منهج الإعراب والبناء لكلمات اللسان العربي.

ثمرة النحو
(1) فهم لسان القرآن الكريم فمثلا قوله تعالى (… إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) (فاطر : 28) بنصب لفظ الجلالة على المفعولية ورفع لفظ العلماء على الفاعلية وليس كالخطأ الفاحش في قراءة الخزاعي عن أبي حنيفة ـ قراءة موضوعة ـ حيث رفع لفظ الجلالة على الفاعلية ونصب لفظ العلماء على المفعولية.

(2) فهم حديث رسول الهدى صلى الله عليه وآله وسلم.

(3) صيانة اللسان عن الخطأ في الكلام العربي.

نسبة النحو
النحو من علوم اللسان العربي بجوار علومه الأخرى مثل: الصرف، العروض، المعاني، البيان، البديع، الخط، الإنشاء، الأصوات، الدلالة، الأدب وغير ذلك من علوم اللسان / اللغة العربية.

مدون النحو
ضبط القرآن الكريم لسان العرب، ولما اختلط العرب مع العجم خشي ولاة الأمر اندراس اللسان العربي فسن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب منهاجا في تدوين “النحو” ثم طلب من وزيره أبي الأسود الدؤلي السير عليه وإتمام تفاصيله ففعل. ولذلك فليس عندنا أي مرجع مدون في “علوم” اللسان ـ ومنها النحو ـ قبل نزول القرآن إلا ما ورد من كلام العرب منظوما أو منثورا مما قد يدخل في باب الأدب أو البلاغة أما “القواعد” فلم تدون إلا بعد نزول القرآن ولذلك يعتبر القرآن المقياس الأعظم لعلوم اللغة العربية ـ وفي مقدمتها النحو ـ فكل قاعدة وضعية تخالف قاعدة قرآنية فهي غير مقبولة بل مردودة.

حكم الشرع في تعلم النحو
فيما يتعلق بأصول الدين “التوحيد والعدل” لا يلزم تعلم النحو أما فيما يتعلق بالشرائع فتعلم النحو فرض كفائي إن قام به البعض سقط عن الآخرين وإن لم يقم به أحد أثم الجميع وتعين على أحدهم تعلمه.

من مراجع النحو للمبتدئين
(1) النحو الواضح الإبتدائي [1 – 3] (علي الجارم / مصطفى أمين)

(2) التحفة السنية بشرح المقدمة الآجرومية (ابن آجروم / محمد محي الدين عبد الحميد)

(3) شرح قطر الندى وبل الصدى (ابن هشام / محمد محي الدين عبد الحميد)

من مراجع النحو للمتوسطين
(1) النحو الواضح الثانوي [1 – 3] (علي الجارم / مصطفى أمين)

(2) شرح شذور الذهب (ابن هشام / محمد محي الدين عبد الحميد)

(3) شرح ألألفية (ابن مالك / ابن عقيل)

من مراجع النحو للمتقدمين
(1) مغني اللبيب عن كتب الأعاريب (ابن هشام)

(2) همع الهوامع بشرح جمع الجوامع (السيوطي)

(3) النحو الوافي [1 – 3] (عباس حسن)

من مراجع النقد النحوي
(1) مدارس النحو (شوقي ضيف)

(2) تجديد النحو (شوقي ضيف) 

بعض كتب نحاة المعتزلة

(1) المقتضب [1 – 3] (أبو العباس محمد بن يزيد المُبَرِّد) وهو أقدم ما وصلنا من كتب النحو بعد “كتاب” سيبويه.

(2) المفصل (أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري)

إلا أنهما لا يصلحان للمبتدئين ولكن للمرحلة المتوسطة فما فوقها.

بعض كتب اللغة والأدب

إضافة لكتب النحو المتقدمة ينصح الطالب بالإطلاع على الكتابين التاليين:

(1) الكامل في اللغة والأدب [1 – 3] (أبو العباس محمد بن يزيد المُبَرِّد المعتزلي)

(2) السيرة النبوية لإبن هشام [1 – 4] (عبد الملك بن هشام / محمد محي الدين عبد الحميد) لثراءه في الجانب اللغوي والأدبي ولا سيما بعد تحقيق النحوي واللغوي الكبير العلامة محمد محي الدين عبد الحميد ـ رحمه الله ـ العميد السابق لكلية اللغة العربية بالأزهر والعضو السابق بجماعة كبار العلماء بالمحروسة. مع ملاحظة أن ابن هشام النحوي صاحب السيرة ليس هو نفسه ابن هشام الأنصاري النحوي الكبير والذي عده البعض أنحى من سيبويه فالأول هو: أبو محمد عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري المعافري النحوي (ت 218 هـ) والثاني هو: أبوعبد الله جمال الدين بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصاري المصري النحوي الشهير (708 – 761 هـ) رحمهم الله جميعا وطيب ثراهم وأسبل عليهم سحائب رحمته آمين.

تحياتي

الحسيني

Published in: on أوت 5, 2007 at 10:49 ص  اكتب تعليقُا